المادة    
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله العظيم أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.
أيها الإخوة: مرحباً بكم في لقاء متجدد في ملفات خاصة، والذي فتحنا فيه الملف الأول حول التكفير وأحكامه في شريعة الله رب العالمين.
معنا في هذا اللقاء فضيلة الشيخ الدكتور: سفر بن عبد الرحمن الحوالي؛ لنتحدث معه حول هذا الموضوع، فمع مطلع هذا اللقاء نرحب بكم فضيلة الدكتور.
الشيخ: حياكم الله.
المذيع: قبل أن نلج إلى صلب الموضوع لعلكم تقدمون بمقدمة حول حفظ اللسان، وأيضاً مراقبة الإنسان لربه عز وجل.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولاً: أشكر الله تبارك وتعالى على ما يمن به علينا من النعم والفضل، ثم أشكر الإخوة الكرام في هذه القناة المباركة على حرصهم وإنتاجهم لمثل هذه الملفات، والتعرض لمثل هذه القضايا المهمة في وقت نجد الأمة أحوج ما تكون فيه إليها.
ولا شك أن هذا الموضوع -أعني موضوع التكفير- موضوع مهم وخطير، وككل عمل أو اعتقاد أو قول لا بد له من ضوابط، ولا بد له من موازين، والقاعدة الأساسية التي تبنى عليها هذه الضوابط والموازين جميعاً هي: أن المرء المسلم يجب عليه أن يتقي الله تبارك وتعالى فيما يقول كما يتقيه فيما يفعل.
إن الحكم على أي أمر من الأمور المتعلقة بالدين هو حكم من حق الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويجتهد العلماء ما شاء الله أن يجتهدوا في ذلك، لكن الأمر لا يجوز بحال من الأحوال أن يتعدى إلى أن يكون الهوى، أو الرغبات الشخصية، أو الدوافع النفسية هي التي تحدد هذا الأمر، فمما يجب على المؤمن أن يهتم به في أقل من هذا الموضوع خطورة، حتى فيما يتعلق بمعاملته مع إخوانه المسلمين - أن يحفظ لسانه.
ويكفينا وعيداً وزجراً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث معاذ المشهور: {ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على مناخرهم -أو قال: على وجوههم- في النار إلا حصائد ألسنتهم} فيجب أن نعلم أن العبد قد يقول الكلمة من الشر ولا يلقي لها بالاً ولكنها تهوي به في النار سبعين خريفاً.
وإذا كان الله تبارك وتعالى قد حرم الغيبة والنميمة وشهادة الزور والنفاق بالكلام؛ فمسألة التكفير أعظم وأشد؛ لأنها قول على الله تبارك وتعالى، أو توقيع عن الله عز وجل.
فمن قال: إن هذا كفر ولم يكن كذلك، فقد افتأت على الله تبارك وتعالى، ومثله من قال أيضاً: إن هذا إيمان أو هذا دين أو هذا حلال أو حرام، إلا أن الأمر إذا تعلق بالحلال والحرام -كما هو معلوم- أخف من أن يتعلق بمسألة الكفر والإيمان، وهذه لا بد أن تضبط بميزان العدل، فتتجرد النفوس من حظوظها، فلا يكون للقائل أو المتكلم أي حظ فيها، وإنما يحكم بما حكم الله ورسوله، مع من يحب ومع من يكره.
إن القاعدة العظيمة في هذا بينها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تبارك وتعالى عليه حين قال: إن الكلام في الناس لا يكون بظلم ولا بجهل، وإنما يكون بعدل وبعلم .. ثم قال: إن العدل واجب على كل أحد لكل أحد في كل حال، حتى مع اليهود والنصارى، مع من يحاربنا ومع أنفسنا، ومع أصدق الناس وأحبهم إلينا، لا بد أن نتكلم بعدل وأن نتقي الله تبارك وتعالى، فإنه عز وجل قد قال: ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))[ق:18].
والحقيقة التي أنا أعيشها وأعانيها، واطلعت على أشياء في هذه القضية قديماً وحديثاً، أستطيع أن أقول: إن جانب الهوى له أثرٌ كبير جداً في ضلال الناس في هذه القضية، فإما أن يضلوا ذات اليمين أو ذات الشمال، فهناك هوى ورغبات وشهوات، والهوى يعمي عن الحق والعياذ بالله! وإذا تجردت النفس من حظوظها وأخلصت لله عز وجل؛ فإنها لا تبالي بعد ذلك، ولا يهمها أبداً، بل إنها تجتهد في تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى، وتحقيق حكم الله عز وجل، وإن لم تعرف ذلك تتوقف ولا حرج.
لكن الملاحظ الآن -في إثارة هذا الموضوع إما سلباً وإما إيجاباً- أن هناك دوافع ونوازع ورغبات، سواء عند من يغلو فيه أو من يجفو عنه، سواء عند من يتجه الاتجاه الإرجائي، أو عند الذين يتجهون الاتجاه الخارجي أو الغالي.
فالذي يجب في هذه المسألة -وأنا أنصح نفسي وإخواني بهذا- أن نخلص أعمالنا لله تبارك وتعالى جميعاً، وأن يكون كل ما نعمله ونقوله لله، ونبتغي به وجه الله، فإن أخطأنا أو تجاوزنا -وكلنا عرضة للخطأ- فيجب أن نبادر بالتراجع والإقرار بالخطأ، وأن نطلب العفو أو الصفح ممن تجاوزنا أمره وأخطأنا في حقه في هذه الدنيا، حتى لا يقاضينا يوم القيامة، فيأتي أحدنا ولديه من الحسنات مثل جبال تهامة، لكن يأتي وقد ظلم هذا، وقذف هذا، وأخذ مال هذا؛ فتذهب تلك الحسنات، نسأل الله أن يرحمنا ويعفو عنا.